من رحم المعاناة تولد الأفكار.. وتتفجر الطاقات!.. وفى ظل الزيادة السكانية الرهيبة، ومحدودية حصتنا من مياه النيل، والتى تقدر بنحو 55 مليار متر مكعب من المياه سنوياً، لم يعد هناك بديل سوى البحث عن حلول غير تقليدية، لتوفير موارد بديلة للمياه.. التى اشتعلت حولها الصراعات، لدرجة أنها تهدد بفقر مائى قد تمتد إلى حروب على المياه فى المستقبل!.
والآن: هل تدرون ما البديل؟.
إنها مياه الصرف الصحي المعالجة, والتي تمثل نحو01% من حصة مصر في مياه النيل, والتي يمكن استخدامها كمورد مائي لري الأراضي الصحراوية, ويمكن ايضا استخدام الحمأة المعالجة, كمخصب عضوي للتربة الزراعية!.
وقد أدركت مصر ذلك مبكرا, وخطت أول خطوة للاستفادة من هذه المياه, لتنشئ محطة عملاقة لمعالجة مياه الصرف في الجبل الأصفر, لري مزرعة تجريبية مساحتها003 فدان, حيث تنتج المحطة حاليا نحو9.1 مليون متر مكعب يوميا من المياه.. وهناك خطة لزيادتها إلي5.2 مليون متر مكعب يوميا, وهي ثروة هائلة إذا احسن استثمارها في الزراعة, وفق الكود المصري الذي ينظم هذه الأمور.
وفي خطوة مهمة لتوفير موارد بديلة للمياه, قررت الحكومة التوسع في إعادة استخدام مياه الصرف الصحي في الزراعة بعد معالجتها, وتعمل وزارة الموارد المائية و الري حاليا علي تنفيذ برامج ومشروعات استراتيجية, لتنمية وإدارة الموارد المائية تتضمن وضع ضوابط ومعايير جديدة, يبدأ تنفيذها قريبا لإعادة استخدام مياه الصرف الزراعي والصحي المعالجة في الزراعة طبقا للكود المصري, وذلك بالتنسيق مع الوزارات, والجهات المعنية, والتنسيق مع وزارة الإسكان للتوسع في وحدات معالجة الصرف الصحي في القري.
وهنا يقول المهندس أحمد المغربي وزير الاسكان والمرافق والتنمية العمرانية إن الهدف من إعادة استخدام مياه الصرف الصحي في الزراعة بعد معالجتها, هو توفير موارد مائية بديلة في ظل التزايد السكاني, الذي يحتاج إلي حلول غير تقليدية, لتوفير المياه للزراعة, وفق الكود المصري الذي تم إعداده لهذا الغرض.
وهذه المياه المعالجة, والتي تتحول إلي درجة عالية من النقاء ـ كما يقول الوزير ـ يمكن أن تستخدم في زراعة الغابات الشجرية, والموالح ذات القشرة مثل البرتقال, و الزيتون, والليمون, والمانجو, والبلح وغيرها, بالإضافة إلي انواع محددة من القمح تستخدم كمبيد للفئران, بعد معالجات كيميائية معينة, وكوقود حيوي وليس كغذاء آدمي, مشيرا إلي أن الكود المصري يسمح بزراعة هذه الأنواع من الزراعات, التي تمت زراعتها بالفعل في مزرعة الجبل الأصفر, والتي تقع علي مساحة003 فدان, وتخضع الزراعات في هذه المحطة إلي تجارب معملية دقيقة, ويظل استخدامها آدميا مرهونا بنتائج التحاليل التي تجري عليها.
الكود المصري
ويتم استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة في الزراعة, وفقا للكود المصري, الذي تم تشكيل اللجنة الدائمة لإعداده, بالقرارين الوزاريين رقمي882 لسنة0002, و923 لسنة1002, وترأس اللجنة الدائمة الدكتورة أميمة صلاح الدين رئيس المركز القومي لبحوث الإسكان والبناء, فضلا عن7 لجان فرعية تضم عددا كبيرا من المتخصصين في الزراعة, والمياه, والبيئة, والري والهندسة الصحية وغيرها, يسمح الكود المصري الذي صدر بالقرار الوزاري رقم171 لسنة5002 ـ باستخدام مياه الصرف المعالجة في النباتات والأشجار التي تزرع بالمسطحات الخضراء, داخل كردون الكتل السكنية بالمدن الجديدة, وفي القري السياحية والفنادق ومنها( النخيل, الصبار, ونخيل الزينة, والمتسلقات, والأشجار الخشبية مثل(الكايا, والكافور, وغيرهما), وأشجار الظل, ومحاصيل الأعلاف, والأشجار الملائمة لتشجير الطرق السريعة, والأحزمة الخضراء حول المدن, وكذلك يجوز استخدامها في المشاتل مثل( شتلات الأشجار الخشبية, ونباتات الزينة, وأشجار الفاكهة, والورود, وزهور القطف كالورد البلدي, وعصفور الجنة, ومحاصيل الألياف, والتوت الياباني لإنتاج حرير القز, ونباتات إنتاج الزيوت الصناعية).
محاذير الزراعة بمياه الصرف
ويحظر الكود استخدام مياه الصرف المعالجة ـ أيا كانت درجة المعالجة ـ في زراعة الخضر سواء التي تؤكل نيئة, او مطبوخة, وجميع انواع اشجار الفاكهة التي تؤكل نيئة بدون قشرة كالجوافة والعنب, ويحظر في جميع الاحوال استخدام مياه الصرف المعالجة في ري محاصيل التصدير ومنها القطن, والأرز, والبصل, والبطاطس, والنباتات الطبية, والعطرية, والموالح, ومايمكن ان تتضمنه القرارات الإدارية المعنية من محاصيل استراتيجية منعا للدعاية التسويقية المضادة, كما يحظر استخدامها في ري حدائق الأطفال والمدارس.
ولمن لايعرف, فإن مصر ليست الوحيدة التي تستخدم مياه الصرف في الزراعة بعد معالجتها, حيث يحدث ذلك في كل دول العالم, وليس في مصر وحدها, ففي فرنسا ـ مثلا ـ يتم استخدام نحو67% من مياه الصرف المعالجة, ويعاد استخدامها بنسبة48% في هولندا, وبذلك يعد استخدام مياه الصرف المعالجة أسلوبا معروفا في أغلب دول العالم لتوفير مصادر بديلة للمياه.
الجدوي الاقتصادية والبيئية
تقوم محطة معالجة مياه الصرف الصحي في الجبل الأصفر ـ كما يقول المهندس حسن خالد رئيس الهيئة القومية لمياه الشرب والصرف الصحي, بمعالجة معظم تصرفات الصرف الصحي التي يتم تجميعها من قلب العاصمة القاهرة الكبري, حيث تخدم المحطة بمرحلتيها نحو5.7 مليون نسمة, يؤدي معالجة مياه الصرف الصحي بالمحطة الي رفع التلوث عن شبكة المصارف والمجاري المائية, وتسهم بصورة فعالة في حماية البيئة والصحة العامة, ويمكن الاستفادة من المياه المعالجة الناتجة من المحطة كمصدر ري المساحة تبلغ051 ألف فدان لزراعة أشجار خشبية أو نباتات صناعية, حيث يتراوح صافي العائد السنوي للفدان بهذه الزراعات من009 إلي0002 جنيه مصري, ويمكن الاستفادة من حمأة المعالجة الناتجة من المحطة لاستخدامها كسماد عضوي للأراضي الصحراوية, حيث تنتج المحطة نحو003 طن حمأة يوميا أي ما يعادل005901 طن سنويا, ويمكن بيع الطن بعد معالجته بسعر001 جنيه مصري, ويتم الاستفادة من غاز الميثان الناتج من تفاعلات معالجة الحمأة في تشغيل المولدات ثنائية الوقود, وبذلك يتم توليد طاقة كهربائية تستخدم في تشغيل محطة المعالجة بالجبل الأصفر, وتمثل الطاقة الكهربائية التي يتم الحصول عليها من غاز الميثان أكثر من07% من طاقة تشغيل المحطة.
طرق المعالجة
وتستقبل محطة الجبل الأصفر ـ والكلام للمهندسة زينب نبيه منير رئيس الإدارة المركزية للمشروعات بالجهاز التنفيذي لمياه الشرب والصرف الصحي معظم التصرفات التي يستقبلها نفق الصرف الصحي الرئيسي, ويتم تنفيذ المحطة علي مراحل لاستيعاب الزيادة السكانية بالمنطقة التي يخدمها المشروع, وقد تم تشغيل المرحلة الأولي من المحطة في عام8991, بطاقة معالجة قدرها2.1 مليون م3/يوم, وتم تنفيذ الجزء الأول من المرحلة الثانية من المحطة بطاقة005 ألف م3/يوم, وتم تشغيله بكامل طاقته في أكتوبر4002, ولذلك حصلت المحطة علي جائزة أحسن مشروع في العام تم تنفيذه تحت إشراف كندي, وخلال شهرين من الآن, سوف يتم الانتهاء من تنفيذ توسعات المحطة بطاقة003 ألف م3/يوم, كما يجري طرح توسعات أخري لإضافة طاقة معالجة للمحطة ليصل إجماليها إلي5.2 مليون م3/يوم عام.5102
ويتم صرف المياه المعالجة ثانويا, والناتجة من المحطة علي مصرف الجبل الأصفر الذي يصب في مصرف بلبيس, ومنه لمصرف بحر البقر ثم إلي بحيرة المنزلة, وقد أسهم انشاء المحطة وتشغيلها في رفع التلوث الناجم عن صرف مياه الصرف الصحي الخام علي سلسلة من المصارف, وتم تقييم هذا التأثير البيئي من خلال برنامج تحاليل عينات تم تنفيذه تحت إشراف الجهاز التنفيذي لمشروع الصرف الصحي للقاهرة الكبري. وتجري في محطة المعالجة بالجبل الأصفر ـ كما تقول رئيس الادارة المركزية للمشروعات بالجهاز التنفيذي لمياه الشرب والصرف الصحي أعمال المعالجة الابتدائية والبيولوجية لمياه الصرف الصحي بأسلوب الحمأة المنشطة, وتحقق أعمال المعالجة كفاءة تتراوح بين49% ـ79% في معالجة مياه الصرف الصحي, وتخفيض نسب كل من المواد الصلبة العالقة, والحمل العضوي بها, فضلا عن معالجة الحمأة بالتخمر اللاهوائي التي يتم فيها تثبيت المواد العضوية بالحمأة والتخلص من معظم الكائنات الممرضة بها, وبذلك تتم معالجة سوائل الصرف الصحي وفق الحدود الآمنة بيئيا, والمنصوص عليها بالقوانين المصرية لضمان المحافظة علي صحة المواطن, وحماية البيئة, ويمكن الاستفادة من كل من مياه الصرف الصحي المعالجة كمورد مائي لري أراض صحراوية, ويمكن أيضا استخدام الحمأة المعالجة كمخصب عضوي للتربة الزراعية.
طاقة المحطة تتنامي
والآن: إلي أين وصلت التجارب في مزرعة الجبل الأصفر؟
هنا يقول المهندس جابر سوس مدير محطة الجبل الأصفر عن الجهاز التنفيذي لمياه الشرب والصرف الصحي إنه تم البدء بزراعة51 فدانا لايجاد مسطح أخضر لتنقية الجو في منطقة الجبل, وبعدها تمت الزراعة علي5 أفدنة, وتبلغ مساحة المزرعة003 فدان, وقد نجحنا في زراعة الأشجار الخشبية, كالجيتروفا, والماهوجني, وتمت زراعة الليمون, والزيتون, والقطن, ونخيل البلح, والذرة الرفيعة, والقمح, علاوة علي ما تم بيعه لأحد مصانع الكيمياويات لاستخدامه كمبيد لقتل الفئران, بعد معالجته كيميائيا.
>> ويسألني: هل تدري كم تمثل مياه الصرف الصحي في مصر من حصتنا في مياه النيل؟
يبادرني بالاجابة: إنها تمثل01% من حصتنا, وهي كمية يمكن الاستفادة منها في الزراعة.
وعلي ذلك, فإنه من المقرر, زيادة الطاقة التشغيلية لمحطة المعالجة, وإعداد تقارير بناء علي النتائج التحاليل التي تجري علي محاصيل المزرعة, لبحث إمكانية التوسع في الكود المصري, الذي يسمح باستخدام مياه الصرف الصحي المعالجة في أغراض الزراعة.